الرياض - الاخيرة:
لو سألت رجلاً مغربيا عن أبرز الأشياء الإيمانية التي يتذكرها في زيارته لمكة فسيقول لك اشياء كثيرة مثل منظر الناس التي تطوف بهدوء حول الكعبة والحمام الذي يحوم فوق الحرم والأماكن التاريخية التي تشعره بعمق المكان الذي انطلق منه الإسلام ومن المؤكد انه لن ينسى تلاوة الشيخ عبدالرحمن السديس إمام الحرم كإحدى هذه الذكريات التي لها وقع إيماني كبير. اذا كنت في ماليزيا وصدف وان التقتيت امرأة زارت مكة فإن سؤالك لها باللغة الانجليزية عن معرفتها بالشيخ السديس يبدو كأحد الاسئلة السهلة التي يصلح ان يفتح الحديث معها لتحكي عن ذكرياتها الحميمة بعد زيارتها لمكة. ان صوتاً قادراً على ان يحظى بمحبة جارفة لأعداد كبيرة من المسلمين هو بلاشك صوت يبدو عميقاً جدا وهو الذي ربما يجعل الاطفال الصغار الذين بدأوا بالتعرف عليه (غالبية الاطفال الذين يبدأون بقراءة القرآن يقرأونها في البداية على طريقة الشيخ السديس وهذا بسبب تأثرهم الكبير به) ينضمون لاهاليهم في محبته. ما الذي يميز صوت الشيخ عبدالرحمن السديس ويجعله ربما الصوت الاول المفضل للمسلمين؟. من الواضح ان نبرة صوت الشيخ عبدالرحمن السديس تتميز بالفرادة ورغم ان الكثيرين حاولوا تقليده ورغم انهم استنسخوا طريقة قراءته إلا أنهم افتقدوا لنبرته الخاصة لذا فإن اصواتهم تبدو بعد وقت قليل منهكة وتضيع منهم النبرة لأنهم بحاجة الى تركيز متواصل وجهد كبير حتى تظل هذه النبرة تلمع في أصواتهم وهذا الذي يقوم به الشيخ السديس بشكل طبيعي. نبرة صوت الشيخ تبدو بشكل ظاهري حادة ولكن وقعها ناعم على الاذن. هذا اصعب شيء. الأصوات التي تبدو حادة تقوم بعد فترة بإرهاق طبلة الأذن لأنها تتحول الى اصوات مزعجة الا ان مايميز صوت الشيخ هو ان حدة صوته رائعة جدا وهي تبدو الملمح الأبرز فيه. إلا أن صوت الشيخ يحوي صفات كثيرة جعلت الكثيرين يفتتنون به. بالإضافة الى ان صوته يتميز بعذوبة مصقولة الا ان لصوته أيضا وقعاً درامياً. غالبية القارئين البارعين للقرآن الكريم يقرأون بطريقة صحيحة ولكنها جامدة. اي انها لا تجعل المستمعين او المصلين ينفعلون بها وبذا يفتقدون الى التواصل الروحي بينهم وبين المستمعين. ولكن مع صوت الشيخ السديس تبدو الاشياء مختلفة جداً ويعرف ذلك جيداً الذين صلوا مع الشيخ في الحرم وخصوصا في رمضان. صوت الشيخ قادر على ان ينقل الصور التي تحملها آيات القرآن الكريم التي تحكي عن العذاب الذي سيواجه المذنبين وصور النعيم الذي سيلقاه الصالحون في الدار الآخرة بطريقة تهزك من الأعماق ومن الصعوبة البالغة ايقاف دمع عينيك الذي سينزل رغما عنك عندما ترى نفسك مخلوقاً ضعيفاً جدا امام عظمة الله وجبروته.
صوت الشيخ السديس قادر ان يوصلك الى عمق المعاني التي تحملها الآيات القرآنية وهي التي معها ستكتشف نفسك الواهنة والمغرورة والتي ارتكبت الكثير من الآثام وحان الوقت لتعتذر عنها وتأمل بكل كيانها ان يسامحها الله ويعفو عنها. صوت الشيخ قادر على ان يوصلك الى حقيقة نفسك وما تريد وقليلة هي الأصوات القادرة على ذلك. ولكن الصوت ليس هو فقط ما يميز الشيخ السديس. مسيرة الشيخ الذي ولد في البكيرية عام 1382 مسيرة علمية مضيئة. لم يتجاوز عمره الثانية عشرة وكان يحفظ القرآن عن ظهر قلب. تقديراته التعليمية لم تنخفض عن درجة الممتاز ختمها بدرجة الدكتوراه بتفوق. وعندما حصل على جائزة دبي الدولية للقرآن لشخصية العالم الإسلامية العام الماضي لم تكن إلا تأكيداً على شيء معروف عن كثير من المسلمين من المغرب وحتى ماليزيا ولم تطابق تماما مع مسمى الجائزة الذي يقتصر على عام واحد. فالبنسبة للكثيرين فإن شخصية الشيخ السديس الشخصية الإسلامية لأعوام طويلة.
الإثنين أكتوبر 05, 2009 5:32 am
